رب ضارة نافعة ... كورونا تحسن هواء الصين

رب ضارة نافعة ... كورونا تحسن هواء الصين

   في تأثير جانبي إيجابي لكارثة فيروس كورونا الجديد على الصين، قالت صحيفة لوباريزيان الفرنسية إن تلوث الهواء في الصين قد انخفض خلال الأيام الأخيرة بشكل ملحوظ، مشيرة إلى أن ذلك يعود إلى عوامل متعددة، وإن كان الخبراء يرون في تباطؤ النشاط الصناعي والقيود الصارمة على حركة المرور، بفعل تدابير منع انتشار فيروس كورونا، عاملاً أساسياً يساهم في تنظيف الهواء ميكانيكياً.

مؤشر جودة الهواء
   فوفقاً لمؤشر جودة الهواء في العالم لوحظ أن معدل الجسيمات الدقيقة التي يبلغ قطرها أقل من 2,5 ميكرون في شنغهاي مثلاً قد انخفض ما معدله 100 ميكروغرام في المتر المكعب في فبراير/شباط 2020، مقارنة بـ135 ميكروغراما في المتر المكعب في فبراير/شباط 2015.

   وانخفض أيضاً ثاني أكسيد النيتروجين في شنغهاي الآن إلى 9 ميكروغرامات في المتر المكعب مقابل 19 ميكروغراما في المتر المكعب في فبراير/شباط 2015، في حين بقي معدل الأوزون مستقرا نسبيا على مدى السنوات الخمس الماضية.

كما انخفضت انبعاثات غازات الدفيئة في البلاد بما لا يقل عن 100 مليون طن مقارنة بالعام الماضي، وفقا لدراسة نشرت في موقع "كربون بريف".

تباطؤ في الصناعات الثقيلة

ولتفسير هذا الانخفاض، قال الخبير الاقتصادي "جان فرانسوا هوشي" إن معدلات التلوث "المنخفضة للغاية" هذه ليست مفاجئة، وإنها تفسر من خلال "التباطؤ الاقتصادي" في الدولة التي طبقت تدابير تقييدية للقضاء على فيروس كورونا.

وأضاف الخبير أن "هناك انخفاضا حادا في نشاط البناء والأشغال العامة، ومصانع الحديد والصلب والإسمنت تعمل بوتيرة منخفضة وكذلك محطات توليد الطاقة التي تعمل بالفحم. وهذه الصناعات الثقيلة هي الملوثات الكبيرة، وبالتالي يأتي التأثير ميكانيكيا وفوريا تقريبا، فعندما تغلق المصانع يتناقص التلوث".

ويضاف إلى ذلك عامل آخر -حسب الصحيفة- هو محدودية حركة السكان، حيث يقول المحاضر في العلوم الاقتصادية والمتخصص في الصين جان بول ماريشال إن "شلل النقل، وخاصة السيارات، يقلل أيضا من التلوث" حيث لا توجد وسائل نقل عام كالقطارات والطائرات والحافلات والمترو في المدينة، إضافة إلى إغلاق الطرق السريعة منذ 23 يناير/كانون الثاني الماضي، بداية الحجر الصحي في ووهان.

وقد امتدت تدابير الاحتواء هذه إلى مقاطعة هوبي بأكملها تقريبا، حيث يعيش أكثر من 57 مليون صيني، كما أن تدابير اتخذت على مشارف المدن الكبرى للحجر الصحي، ووفقا لصحيفة نيويورك تايمز الأميركية، فإن تدابير تقييد السفر هذه تؤثر على ما يقرب من 760 مليون شخص وأكثر من نصف سكان الصين وعُشر البشرية.

عطل السنة الجديدة
   وأشارت الصحيفة إلى أن انخفاض التلوث قد يعزوه البعض جزئيا إلى عطلة السنة الصينية الجديدة، حيث عادة ما يتسبب عيد الربيع هذا الذي يبدأ يوم 25 يناير/كانون الثاني ويستمر أسبوعين في تباطؤ النشاط في البلاد، لأن الناس يبقون مع أسرهم، ومعظم الشركات والمكاتب تغلق أبوابها.

   ويلاحظ ماريشال أن "هناك نوعين من الظواهر المتداخلة، هما عطلة السنة الجديدة والتدابير المتخذة للقضاء على فيروس كورونا، ويمكننا أن نرى بوضوح أن مستويات الجسيمات لا تزال منخفضة للغاية بعد انتهاء فترة الاحتفال بالعام الجديد، وذلك بسبب أن الكثيرين لم يعودوا إلى العمل خوفا من العدوى، مما يعني أن التدابير التقييدية هي المسؤولة عن هذا الانخفاض".

تحسن مؤقت
ومع أن الظروف الجوية يمكن أن تؤثر هي الأخرى على جودة الهواء، فإن "الضغط العالي الذي يحدث في بداية العام في شمال البلاد عادة ما يمنع تبديد التلوث، على عكس الأمطار والرياح التي تفرق الجزيئات، والتي كان مستواها منخفضا في شرق البلاد"، كما يقول جان فرانسوا هوشي.

وقالت الصحيفة إن ما تشهده الصين من انخفاض شديد في مستويات الجسيمات الدقيقة في الأيام الأخيرة ليس جديدا، إلا أن ما حدث في السابق كان مطلوبا رسميا، حيث صعدت بكين من جهودها لتطهير الهواء قبل أولمبياد 2008، كما تم اتخاذ تدابير مماثلة لضمان هواء نظيف، عندما زار الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما البلاد عام 2014.

وفي ختام المقال، يشير الباحث إلى أنه لا شيء يضمن استمرار هذا التحسن بعد انتهاء الوباء، "نخشى حدوث ارتفاع غير مسبوق في التلوث كما حدث مع نهاية وباء السارس في العام 2003، حيث عوضت الدولة عن خسائرها بمضاعفة نشاطها".

المصدر : الجزيرة نقلاً عن الصحافة الفرنسية