نجاح استنبات القطن على القمر
أضاءت مركبة الفضاء الصينية "تشانغ آه 4" الوجه البعيد من القمر بعيد هبوطها عليه لأول مرة في تاريخ البشرية في يناير/كانون الثاني 2019 الجاري، وهو الذي يعتبره الناس وجها مظلما لأنه لا يُرى أبدا من سطح الأرض.
لم يقتصر الإنجاز الباهر على تلك الخطوة التي أثبتت الصين بها أنها دولة عظمى، بل تعدته بأن حملت مركبتها إلى القمر مختبرا حيويا بيئيا يزن 3.6 كيلوغرامات، شاركت في تصنيعه 28 جامعة صينية، من أجل استنبات عدد من البذور هناك على سطح القمر.
المختبر الصغير ذو الشكل الأسطواني بارتفاع 18 سم وقطر 16 سم، يحمل بداخله ماء وهواء وتربة وستة أنواع من البذور والمستنبتات الحية، وهي بذور القطن والفجل والبطاطا ونبات الرشاد -أو أذن الفأر- والخميرة وبيض ذبابة الفاكهة.
كانت البذور في بيئة أرضية من حيث الأكسجين والضغط الجوي، لكنها معرضة هناك إلى مناخ القمر من حيث درجة الحرارة وقلة الجاذبية وأشعة الشمس فوق البنفسجية والأشعة الكونية ذات الطاقة العالية، وجميعها لا يمكنها الوصول إلى سطح الأرض كونها محفوظة بطبقات مختلفة من الغلاف الجوي والمجال المغناطيسي.
وقد أعلن القائمون على المشروع عن نجاح استنبات بذور القطن فقط من بين المكونات الستة، بعد أن أنبتت ورقتان عاشتا لمدة عشرين يوما، ثم ماتتا بسبب انخفاض الحرارة إلى أقل من 150 درجة مئوية تحت الصفر.
سلحفاة في الرحلة القادمة
ولولا أن الحمولة المتاحة على متن هذه المركبة محدودة بأربعة كيلوغرامات فقط، لكان من الممكن أن ترافقها سلحفاة صغيرة، وذلك لمراقبة نشاطها الحيوي على سطح القمر بوجود أكسجين يكفيها لثلاثة أسابيع داخل المختبر.
غير أن من المؤكد أن السلحفاة وغيرها من الحيوانات لن تكمل تلك المدة ولا ربما جزءا يسيرا منها، إما بسبب تجمدها بالبرد القارس هناك، أو احتراقها بفعل الحرارة القادمة من الشمس بأكثر من مئة درجة مئوية، فالقمر يفتقر للغلاف الجوي الذي يحافظ على توزيع منتظم لدرجة الحرارة على سطحه.
ومع ذلك، فإن هذه هي الخطوة القادمة للمركبة الصينية "تشانغ آه 6" التي من المحتمل أن تحط على القمر العام المقبل 2020.
ولئن صعدت تلك السلحفاة إلى القمر، فإنها لن تسجل رقما قياسيا، فقد سبقتها إلى الفضاء اثنتان من السلاحف حملتهما مركبة الفضاء الروسية "زوند 5" عام 1968، بل عادت بهما حيّتان تعانيان جوعا شديدا، لأنهما حرمتا الطعام طوال فترة الرحلة.
أما سلحفاة الصين، فستكون أول كائن حي يصل القمر بعد 12 إنسانا فعلوا ذلك على متن ست مركبات فضاء أميركية بين 1969 و1972.
الاستنبات في الفضاء
إن نجاح استنبات أي نوع من البذور هو مؤشر حيوي على قدرة بعض أنواع النباتات على تحمل البيئة القاسية على سطح القمر.
وكما يصرح العلماء، فإنه أول الغيث الذي سيقودهم إلى دراسة حيثيات استنبات نباتات أخرى في بيئة القمر، مما سيوفر الغذاء اللازم لرواد الفضاء في مستعمراتهم القمرية مستقبلا، بدلا من التكاليف الكبيرة التي يستلزمها نقل المؤونة من الأرض.
كما سيساهم ذلك في تموين المسافرين إلى كوكب المريخ، كون القمر هو المحطة الانتقالية بين الأرض والمجموعة الشمسية، لسهولة الخروج من جاذبيته التي تعادل سدس جاذبية الأرض.
سبق أن نجحت تجربة الاستنبات خارج الأرض بتجارب قام بها رواد الفضاء على متن محطة الفضاء الدولية على ارتفاع 400 كيلومتر فوق سطح الأرض، في أجواء انعدام الجاذبية أو الجاذبية المايكروية، حين استنبتوا عددا كبيرا من النباتات، منها الأرز والطماطم والقمح والملفوف والكتان والبصل والبازلاء والخس وبعض أنواع الأزهار وغيرها.
الأخطار المحتملة
لكن الذي يخشاه علماء الفضاء هو ما تشكله تلك التجارب من خطر تلويث بيئة القمر، فقد دمرت وكالة الفضاء ناسا مركبة كاسيني في عمق الغلاف الجوي لكوكب زحل حفاظا على القمر إنسيلادوس وخوفا من أن تتسبب المركبة الفضائية التي جاءت من الأرض في تلوثه، وهو القمر الذي من المحتمل أن يكون مستقبلا هدف استيطان بشري، لوجود كميات كبيرة من الماء تحت سطحه.
ولكن، هل يمكن أن يكون القمر قد تلوث فعلا حين هبط على سطحه رواد الفضاء الاثنا عشر؟ وهل من فارق بين نزول الإنسان على سطح القمر وبين نزول نباتاته؟
وهل سيكون هناك دستور يحكم ارتياد الفضاء وما يمكن -أو لا يمكن- حمله إليه على متن تلك المركبات، أم أنها القوة التي تفرض نفسها، ليكون صاحب القدم في الفضاء هو صاحب الكلمة على الأرض كما هو الحال الآن؟
المصدر : الجزيرة