القراءة - الفروسية

القراءة

الفروسية

إبراهيمُ المازنيُّ

قالَ إبراهيمُ المازنيُّ:

   دُعينَا أنا وطائفةٌ من الأصدقاءِ إلى قضاءِ يومينِ في ضيعةِ أحدِهِم. ركِبنا القطارَ، وفي محطّةِ الوصولِ وجدنا طائفةٌ شتّى من الخيلِ والبغالِ والحميرِ لتحملَنا من المحطّةِ إلى الضَّيعةِ، فاخترتُ من بينِها حمارًا صغيرًا، وهممتُ بامتطائِهِ، ولكنَّ صاحبَ الضَّيعةِ عزَّ عليهِ أن يركبَ المازنيُّ حمارًا، وجاءني بجوادٍ أصيلٍ، وأقسمَ عليَّ لأركبَنَّهُ، فاستحيَيتُ أن أقولَ لهُ: إنّي أخافُ ركوبَه، وإنّه لا عهدَ لي بالخيلِ، ثمَّ قلتُ: أريدُ سُلَّمًا. قال في دهشةٍ: سُلَّمًا! ما حاجتُكَ إليه؟ قلتُ: حاجتي إليهِ أنّي أريدُ أن أصعدَ فوقَ ظهرِ هذا الجوادِ يا صاحبي، فضحكَ وقالَ: أنا أساعدُك.

   ودَفَعني على ظهرِ الجَوادِ دفعةً خُيِّلَ إليَّ أنّهَا سَتُلقِيني على الأرضِ من النّاحيةِ الأخرى. سِرنا مسافةً على مهلٍ، ثم اقتربَ منِّي أحدُ الأصدقاءِ وأهوى على جوادي بعصًا معهُ، فوثبَ الجوادُ وراحَ يسابقُ الريحَ، وأنا أعلو وأهبِطُ فوقَه، ثمَّ أحسستُ أنَّ أمعائي ستتقطَّعُ، وأتلمَّسُ بِيدِي شيئًا أُمسِكُ بهِ وأتعلَّقُ، فيفلِتُ من قَبضَتِي كلُّ ما تصلُ إليه، فارتَمَيتُ على عُنقِه وطوَّقتُهُ، وجعلتُ أُنادي مَن حَولِي وأُناشِدُهُم الذِّمَّةَ والضَّميرَ والمروءةَ أن يوقِفوا هذا الجوادَ. 

   أدركَني أحدُ الخَدَمِ وأمسكَ باللِّجامِ وردَّ الجوادَ، فما أسرعَ ما انحدرتُ عنه! وكأنَّما أعجبَتْني جِلسَتي على الأرضِ، فسألَني مُضيفُنا: أتنوي أنْ تقعدَ هنا إلى الأبد؟ فقلتُ: إنَّ بي حاجةً إلى الشُّعورِ بثباتِ الأرضِ بعدَ كلِّ هذا التَّقلقُلِ وتلكَ الزَّعزعةِ، قالَ: ولكنَّكَ لا تستطيعُ أن تظلَّ جالسًا هكذا، إنَّ أمامَنا سيرَ ساعةٍ، فقلتُ: سألحقُ بكُم إذًا، أو أرجِعُ إذا كان لابدَّ من ركوبِ هذا الزِّلزالِ.

   قال: ولكن، لا يليقُ أن تركبَ حمارًا، قلتُ، وقد صارَ في وُسعِي أن أضحكَ: في وُسعِكَ أنْ تُعَلِّقَ ورقةً تكتبُ فيها أنَّهُ جوادٌ مطهَّمٌ، قال: لا تمزحْ، قم واركبْ حماري هذا، قلت: إذا كانَ حمارُكَ عاليًا فما الفرقُ بينَهُ وبينَ الجوادِ؟ قالَ بلهجةِ اليائسِ أو المُنتقمِ: إذًا، خذ هذا، وأشارَ إلى جحشٍ قمئٍ لا سرجَ عليهِ ولا لجامَ لهُ، فقمتُ إليه وامتطيتُهُ بوثبةٍ واحدةٍ، وبِلا معينٍ.

   ويطولُ بِنا الكلامُ إذا أردتُ أن أصِفَ كلَّ ما أمتعني بهِ ذلكَ الجَحشُ من الفُكاهاتِ، فقد كانَ فيهِ عنادٌ، وكانَ يأبى أن يتوسَّطَ الطَّريقَ، ولا يُرضيهِ إلّا أن يَحُكَّ جَنبَهُ في كلِّ ما يلقاهُ من شجرةٍ أو عربةٍ أو حائطٍ. وتعوَّدتُ منهُ ذلكَ.

 

المعاني:

طائفة: مجموعة.

شتّى: متفرّقات، جمع شتيت.

عزّ عليه: أحزَنَهُ.

جواد أصيل: جواد عريق، ذو صفاتٍ ممتازة.  

لا عهدَ لي بالخيل: لم أمارس ركوبَها.

أهوى عليه: ضربه.

فوثب: فقفزَ.

أتلمَّس: أتحسَّسُ.

قبضتي: المَسكُ بملءِ كفّي.

ارتميتُ: رميتُ نفسي.

طوَّقتُهُ: أحطتُ به.

الذّمّة: العهد.

الضّمير: ما يضمره ُ الإنسان في نفسهِ.

المروءة: الشّهامة.

ادركنِي: لحق بي وأمسكني.

ردّ الجواد: أوقفَ الجواد.

انحدرتُ: نزلتُ سريعًا.

الزّعزعة: عدم الثّبات، الاضطراب.

الزِّلزال: حركة في طبقات الأرض، والمقصود في النَّص حركة الحصان.

بلهجةِ اليائسِ: المقصود بطريقةٍ تدلُّ على يأسهِ.

المُنتَقم: المُعاقب.

سرج: ما يُوضعُ على ظهرِ الدّابة للجلوسِ عليه، والجمع سروج.

عِناد: رفض وعدم استجابة.

يأبى: يرفض.

يتوسّط الطّريق: يسير وسط الطّريق.

 

أركان القصّة:

1- الزّمان: في الزّمن الماضي.

2- المكان: في الضّيعة.

 

الشّخصيّات:

أ- رئيسة ---» الكاتب/ صاحب الضّيعة.

ب- ثانويّة ---» الخادم.

 

الأحداث:

1- زيارة المازنيّ وأصحابه لضيعة واحد من الأصدقاء.

2- طريق الوصول للضّيعة عن طريق الخيول، ولكنّ المازنيّ يخشى ركوبها.

3- إصرار المُضيف (صاحب الضّيعة) على المازنيّ ركوب الخيل.

4- انطلاق الحصان بسرعة، والمازنيّ يركبه وسقوطه عنه بعد مساعدة أحد الخدم له.

5- المازنيّ يُقرّر أن يصل الضّيعة عن طريق جحشٍ قمئٍ.

6- مغامرات جميلة بين المازنيّ والجحش.

 

العقدة:

انطلاق الحمار مُسرِعًا وسقوط المازنيّ عنه.

 

الحل (نهاية القصّة):

وصول المازنيّ إلى الضَّيعةِ على ظهر جحش قمئٍ.

 

الدّروس المُستفادة:

1- إكرام الضّيف واحترامه.

2- عدم المُغامرة بما لا تعرف.

إعداد : أ. منّة الله الشّاذلي

10 / 12 / 2022

النقاشات